]أقوال العلماء والأطباء في مسئولية ماء الرجل وماء المرأة في تحديد جنس الجنين
ar
Share |
السؤال :
روى مسلم (315) عن ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
( كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ حِبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ:
السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا فَقَالَ: لِمَ تَدْفَعُنِي؟ فَقُلْتُ:
أَلَا تَقُولُ يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: إِنَّمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
« إِنَّ اسْمِي مُحَمَّدٌ الَّذِي سَمَّانِي بِهِ أَهْلِي »، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
« أَيَنْفَعُكَ شَيْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ؟ » قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ ، فَنَكَتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُودٍ مَعَهُ، فَقَالَ:
« سَلْ » فَقَالَ الْيَهُودِيُّ : أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ » قَالَ: فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً ؟
قَالَ: « فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ » قَالَ الْيَهُودِيُّ: فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ: « زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ »،
قَالَ: فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا ؟ قَالَ: « يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا » قَالَ:
فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ؟ قَالَ: « مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا » قَالَ: صَدَقْتَ ، قَالَ:
وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَيْءٍ لَا يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ ، قَالَ:
« يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثْتُكَ؟ » قَالَ: أَسْمَعُ بِأُذُنَيَّ ، قَالَ: جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الْوَلَدِ؟ قَالَ:
« مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ، وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ ، فَإِذَا اجْتَمَعَا ، فَعَلَا مَنِيُّ الرَّجُلِ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ ،
أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللهِ ، وَإِذَا عَلَا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ مَنِيَّ الرَّجُلِ ، آنَثَا بِإِذْنِ اللهِ » ، قَالَ الْيَهُودِيُّ: لَقَدْ صَدَقْتَ ،
وَإِنَّكَ لَنَبِيٌّ ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَذَهَبَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
« لَقَدْ سَأَلَنِي هَذَا عَنِ الَّذِي سَأَلَنِي عَنْهُ ، وَمَا لِي عِلْمٌ بِشَيْءٍ مِنْهُ، حَتَّى أَتَانِيَ اللهُ بِهِ »
. فالعلم الحديث اليوم يخبرنا أن المنيّ والبويضة معاً هما من يحددان الخواص الجينية للجنين ،
وأن سبق ماء المرأة من عدم سبقه لا علاقة له نهائيّاً في تحديد جنس الجنين أذكر أم أنثى !
وكما ترون فالحديث يناقض هذه الحقيقة العلمية ،
فإذا كان محمد نبيّاً ولا يتلفظ إلا بوحي من الله فكيف فاتته إذاً هذه الحقيقة ، بل جاء بما يخالف العلم ؟! .
لا أدري ربما هناك تفسير آخر لهذا الحديث لا أعلمه ! إذا كان الأمر كذلك فأرجو الشرح والتفصيل قدر الإمكان ،
وأرجو أن لا يُنظر إلى سؤالي هذا على أنه سؤال استفزازي أو تجريحي ، ولكم خالص الشكر .
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
خلط بعض الكتَّاب في مسألة " تحديد جنس الجنين "
بين معاني الأحاديث الواردة في بابه ، فحملوا أحاديث الشبَه و(النزع) الوارد إطلاقه فيها على أن المراد بها تحديد جنس الجنين ،
وليس الأمر كذلك ، بل تحديد الجنس غير الشبَه .
ثانياً:
ذهب أكثر العلماء والأطباء المعاصرين إلى أن الرجل هو المسئول عن تحديد جنس المولود – بإذن الله -
وأن المرأة هي كالأرض المزروعة لا خيار لها في الزرع فما يُزرع فيها تُنبته بإذن ربها ،
وإليه الإشارة في آيات من القرآن الحكيم .
قال الدكتور محمد علي البار – وفقه الله - : "
ومن المقرر علميّاً أن جنس المولود يتحدد في اللحظة الأولى التي يلتقي فيها الحيوان المنوي بالبويضة فيلقحها ،
فإذا ما التقى حيوان منوي يحمل شارة الذكورة " Y " بالبويضة : فإن الجنين سيكون ذكراً بإذن الله ،
أما إذا كان الحيوان المنوي سيلقح البويضة يحمل شارة الأنوثة : فإن الجنين سيكون أنثى بإذن الله .
إذن الحيوان المنوي أو نطفة الرجل هي التي تحدد نوعية الجنين ذكراً أم أنثى ،
( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى . مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ) النجم/ 45 ، 46 ،
والنطفة التي تُمنى هي نطفة الرجل بلا ريب ، ويقول تعالى أيضاً ( أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى .
أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى . ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى . فَجَعَلَ مِنْهُ ( أي : المني )
الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى . أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى ) القيامة/ 36 - 40 "
انتهى من " خلق الإنسان بين الطب والقرآن " ( ص 297 ، 298 ) .
ثالثاً:
إذا عرفنا وجه الصواب في المسألة على ما ذكرناه ، فكيف نوفق بين ما سبق ،
وبين الحديث الوارد في السؤال ، وفيه أن للمرأة دوراً في تحديد جنس الجنين ؟ .
والجواب على ذلك نقول : إن هناك ثلاثة اتجاهات في توضيح ذلك وبيانه :
الأول : أن بعض العلماء ذهب إلى أن الإذكار والإيناث ليس له سبب طبيعي ،
وأن ما جاء في حديث ثوبان رضي الله عنه – وهو الذي اشتمل على النص على جنس الجنين –
هو وهْمٌ من بعض رواته ، وأنه في الشبه بأحد الأبوين ، ليس في تحديد الذكورة والأنوثة ،
ومن هؤلاء العلماء شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، والشيخ العثيمين رحمه الله من المعاصرين .
قال ابن القيم – رحمه الله - : " وسئل صلى الله عليه وسلم عن شبَه الولد بأبيه تارة وبأمه تارة فقال
( إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة كان الشبه له ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل فالشبه لها ) متفق عليه ،
وأما ما رواه مسلم في صحيحه أنه قال ( إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكر الرجل بإذن الله ،
وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل آنث بإذن الله ) فكان شيخنا – أي : ابن تيمية - يتوقف في كون هذا اللفظ محفوظا ويقول :
" المحفوظ هو اللفظ الأول ، والإذكار والإيناث ليس له سبب طبيعي ،
وإنما هو بأمر الرب تبارك وتعالى للملك أن يخلقه كما يشاء ،
ولهذا جعل مع الرزق والأجل والسعادة والشقاوة " " انتهى من " إعلام الموقعين " ( 4 / 269 ) .
الثاني ، وقد ذهب إليه الأكثرون : أن الحديث صحيح ،
وأنه لا إشكال في كون علو ماء المرأة يسهم في تخلق المولود إلى أنثى إن أذن الله بذلك –
وقد وقع خلاف في معنى " العلو " هل هو السبق ، أو العلو الحقيقي ، أو الكثرة والقوة - ،
وأنه حتى في حال علو ماء المرأة فإنه يؤثر في اختيار الحيوان المنوي المذكر أو المؤنث ،
دون أن يكون له دور رئيسي ، فرجع الأمر إلى أن المؤثر الحقيقي هو ماء الرجل ،
فالمرأة هنا تساهم بدور ثانوي ، وذلك بتهيئة الظروف لاستقبال الحيوان المنوي ،
فالوسط الحامضي يقتل "Y " ويبقي على " X " من الحيوانات المنوية فيكون جنس المولود أنثى " XX " .
قال الدكتور محمد علي البار – وفقه الله - : " وتضمن الحديث – يعني : حديث ثوبان -
وصفاً لماء الرجل وماء المرأة ، كما تضمن قضية الذكورة والأنوثة وأرجعها إلى أي الماءين علا ،
فالإذكار أو الإيناث تبع له .
ويبدو ذلك معارضاً للآيات الكريمة التي ذكرت أن جنس الجنين يحدده مني الرجل فحسب –
وذكر آية النجم وآية القيامة - كما يبدو معارضاً للمعلومات الطبية التي تؤكد
أن جنس الجنين إنما يحدِّده الحيوان المنوي الذي سيلقح البويضة فإن كان
حيواناً منويّاً يحمل شارة الذكورة " Y " كان الجنين ذكراً ، بإذن الله وإن كان
حيوانا منويّاً يحمل شارة الأنوثة " X " كان الجنين أنثى بإذن الله .
وفي الواقع ليس هناك تعارض ، وربما أثَّر علو ماء الرجل أو ماء المرأة في
الحيوانات المنوية التي سيفلح واحد منها بإذن الله في تلقيح البويضة ،
ونحن نعلم أن إفرازات المهبل حامضية وقاتلة للحيوانات المنوية ،
وأن إفرازات عنق الرحم قلوية ولكنها لزجة في غير الوقت الذي تفرز فيه البويضة ،
وترق وتخف لزوجتها عند خروج البويضة ،
وإلى الآن لا ندري مدى تأثير ماء المرأة على نشاط الحيوانات المنوية المذكرة أو المؤنثة ،
ولا بد من إجراء بحوث دقيقة لنتبين مدى تأثير هذه الإفرازات على الحيوانات المنوية المذكرة أو المؤنثة ،
ومدى تأثير علوها أو انخفاضها على نشاط هذه الحيوانات ، وهناك من يقول :
إن معنى العلو هو الغلبة والسيطرة فإن كانت الغلبة للحيوانات المذكرة كان إذكار ،
وإن كان للمؤنثة كان إيناث بإذن الله " انتهى من " خلق الإنسان بين الطب والقرآن " ( ص 390 ، 391 ) .
الثالث : وهذا الاتجاه ظهر حديثاً وهو يجعل المسئولية عن تحديد جنس الجنين مشتركة بين الرجل والمرأة ،
وقد تزعم هذا الاتجاه وأظهره للناس – فيما نعلم - الدكتور جمال حمدان حسانين –
اختصاصي علم التشريح والأجنة – وهي في تفسير حديث ثوبان رضي الله عنه - ،
وقد قال ما نصه : " اندماج الحيوان المنوي مع البويضة يعتمد علي الخصائص الكهربية لهذه الخلايا الجنسية ،
فعندما تكون البويضة " سالبة الشحنة " فإنها تجذب إليها الحيوان المنوي (Y)
الذي يحمل شحنة موجبة وينتج " طفل ذكر " ، وبما أن الحامل للصبغي
" الشحنة الموجبة " هي الأعلى حسب قواعد الطبيعة يكون منيُّ الرجل هو الأعلى ،
وبذلك يكون علو منيُّ الرجل سبباً في إنجاب طفل ذكر " ،
وهذا يطابق ما أوضحه الحديث النبوي بشكل مذهل
( فإذا اجتمعا فعلا منيُّ الرجل منيَّ المرأة : أذكرا بإذن الله ) .
وأما إذا كانت البويضة موجبة الشحنة فإنها تجذب إليها الحيوان المنوي الحامل للصبغي (X)
الذي يحمل شحنة سالبة وينتج " طفل أنثى " ، وهذا ما أوضحه أيضا الحديث النبوي
( وإذَا علا منيُّ المرأة منيَّ الرجل آنثا بإذن الله ) .
وعلي ذلك يكون هناك دور مشترك للرجل والمرأة في تحديد جنس الطفل " . انتهى
ولعل أقرب الأقوال هو الاتجاه الثاني الذي يرى مسئولية ماء الرجل عن تحديد جنس الجنين ،
وأن علو ماء المرأة الذي يكون معه المولود أنثى ، لا يسلب من ماء الرجل مسئوليته العظمى ،
ولا يعطي دوراً مساوياً لماء المرأة ،
مع الاعتراف بحاجتنا إلى دراسة علمية حديثة من أكثر من
عالم ومتخصص لدراسة هذه القضية بكافة أجزائها والخروج بنتيجة علمية متفق عليها .
والله أعلم[/center]
[/b]
[
b]